علي الربيعي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ثورة سليمان الشاوي شيخ مشايخ العبيد

اذهب الى الأسفل

ثورة سليمان الشاوي شيخ مشايخ العبيد Empty ثورة سليمان الشاوي شيخ مشايخ العبيد

مُساهمة  علي الربيعي الجمعة يناير 06, 2012 9:28 pm



ثورة سليمان الشاوي شيخ مشايخ عبيد
--------------------------------------------------------------------------------
كانت أسرة الشاوي في بغداد من أعرق الأسر البغدادية، وقد نبغ منها رجال عظام أسدوا خدمات جليلة للعراق. وكان سليمان الشاوي عميد الأسرة في حينه من أخطر الشخصيات في بغداد، عرف بالشجاعة والكرم ودماثة الطبع وسعة الاطلاع وسداد الرأي، وكانت له الكلمة النافذة بين قومه وسمعة شعبية بين القبائل العربية حول إيالة بغداد بوصفه شيخ مشايخ العبيد. ولم يكن يتكتم من انتقاد حكم المماليك في العراق والشكوى الصريحة من استبدادهم وظلمهم.
وقد قرب الوالي سليمان باشا عميد أسرة الشاوي هذا، وكان يستشيره في أكثر الأمور ويستنصحه بما حزمه من الأمر وجهل به، وكان موقف الشاوي من الوالي جديا صريحا خاليا من المجاملة والزلفى والتعظيم، بل مشوبا أحيانا ببعض الأنفة والتعاظم، لأنه كان يحتقر في قرارة نفسه أولئك الغاصبين الذين سرقوا خيرات البلاد وحكموها رغم أنف أبنائها.
سارت الأمور سيرا طبيعيا في الفترة الأولى من حكم الوالي سليمان باشا، ثم ظهر في الأفق بوادر غيوم وأكفهر الجو. فقد أخذ الوالي يفقد تدريجيا نشاطه وحماسته في إدارة أمور الإيالة، وأوكل الموضوع إلى مملوك له اسمه (أحمد أغا المهردار) ، وما لبث هذا المملوك المغمور أن سيطر على كل شيء، فلم يعد تفلت من يده صغيرة أو كبيرة، وصار المرجع الأعلى والمقصد الأرفع لكل الزعماء والنبلاء. وكأني بالعميد الشاوي الذي لم يكن يحفل بالوالي نفسه إلا على مضض، فكان يستنكف أن يسير في ركاب هذا المملوك الحقير.
فما لبث أن اشتدت العداوة بين الاثنين وأخذ الشقاق يتسع بينهما يوما بعد يوم، ثم زاد الطين بلة أن تقريب أحمد أغا قضى على آخر أمل للشاوي بمنصبه الكتخدائية الذي كان يطمح إليه وهو أحق به من غيره باعتباره مدرسة يتخرج منها ولاة بغداد. كما أنه في الوقت نفسه دعامة قوية يرتكز عليها حكم المماليك في العراق، فلا سبيل لسليمان الكبير إلى التفريط به وإناطته بعراقي عربي. وحاول أن يصلح بين الطرفين المتخاصمين ويزيل العداوة والبغضاء فلم تثمر مساعيه، وكان من الطبيعي أن يلتزم جانب المماليك لكونهم بطانته وجنوده المخلصين وبني جلدته
وبذلك تحرج مركز الشاوي في بغداد ولم يعد يقوى على البقاء فيها وإلا استهدف إلى خطر عظيم، لأن المهردار سريع الضربة عبقري في حياكة المؤامرات. فسارع إلى الفرار لاجئاً إلى هور عكركوف حيث ضرب خيامه هناك، وسرعان ما التفتت حوله قبيلته العظيمة مع قبائل عربية أخرى، وظل على اتصال دائم بأتباعه في بغداد، وكانوا يرقبون له حركات الحكومة والتدابير التي تنوي اتخاذها بحقه.
وكانت الحكومة قد سيرت حملة عسكرية بقيادة عدوه اللدود أحمد أغا، فلما علم بذلك أمر القبائل المنضمة إليـه بترك مواشيهـم وحوائجهـم في محلهــا ومغادرة مخيماتهـم والاتجــاه صوب الخابور. وبوصول حملة المهردار ورؤيتها خلو المخيم استولت على ما تركته قبائل العبيد وعادت إلى بغداد. وصدر الأمر بتعيين أحمد أغا كتخدا لقاء نجاحه في الحملة (63).
معركة الفلوجة
--------------------------------
وفي سنة 1200هـ/ 1785م عاد الأمير علي الحمد بالاتفاق مع سليمان بك الشاوي إلى تأجيج نار الثورة مرة أخرى، حيث نظم الأمير سليمان مع الأمير علي الحمد قوات قبيلة العبيد في منطقة سنجار، وانضم إليهم أشقاء الأمير سليمان محمد وعبد العزيز بعد فرارهم من بغداد، وفي الحال زحفت القبيلة على بغداد، فأرسل الوالي حملة بقيادة خالد أغا كتخدا البوابين.
وفي منطقة الفلوجة دارت معركة عظيمة قادها الأمير أحمد بك بن سليمان بن الشاوي، وهزمت وتقهقرت قوات الوالي إلى الخلف بعد أن تكبدت خسائر جسيمة.
وواصلت قوات العبيد زحفها نحو بغداد حتى أشرفت عليها وخيمت قريبا من مرقد منصور الحلاج، فارتاعت حكومة بغداد وأحست بدنو النهاية، وكادت المدينة أن تستسلم بعد أن أعلن جانب الكرخ حيث يقيم آل الشاوي تأييده للثورة، وشرع الوالي يجمع ما يستطيع جمعه من المشاة والخيالة والمدفعية، ثم أمر بسوق عدد كبير من سكان بغداد إلى الجندية، وتولى هو القيادة العامة حتى اجتمع لديه قوات متفوقة لمحاربة قوات العبيد .
ودارت معركة ضارية قرب بغداد كانت نتيجتها فشل قبيلة العبيد، عاد على أثرها الأمير علي الحمد وجماعته إلى سنجار، والتجأ الأمير سليمان الشاوي وأتباعه إلى رئيس عشائر المنتفق الشيخ ثويني الذي سارع بإعلان تأييده للشاوي، ثم انضم إلى الاثنين الشيخ حمد الحمود رئيس عشيرة الخزاعل، وبهذا تم اتحاد جميع القبائل العربية التي تسكن الفرات الأوسط والأدنى، وشكلت حلفا قويا أعلن عصيانه على حكومة بغداد.
تحرير البصرة
-------------------------------
اتجهت القبائل المتحالفة إلى البصرة واحتلتها وطردت متسلمها إبراهيم أفندي وأرسلته مخفوراً إلى مسقط وصودرت أمواله، وبذلك تم للثوار العرب احتلال جنوب العراق برمته. وكان لهذه الموفقيات العربية أثرها السيئ في نفس الوالي، وكالعادة أصدر أمره إلى حكام كردستان بالمعاونة، فأنشغل قدوم جيش إبراهيم باشا الباباني متصرف ألوية كويسنجق وحرير وبابان، وعبدالفتاح الباباني متصرف أدرنة وباجلان بتجنيد المتطوعين وإمداد جيشهما بالعتاد مما أثار غضب الوالي وريبته في أنهما لا ينويان المعاونة، فما كان منه إلا أن قبض عليهما بعد قدومهما إلى بغداد وأقصاهما عن منصبيهما، وعين عبد القادر باشا متصرفا لألوية بابان وحرير وكويسنجق، وعين عثمان باشا بن محمود باشا متصرفاً للوائي أدرنة وباجلان.
ثم تسلم قيادة جيشي الأكراد بالإضافة إلى جيش بغداد وسار إلى البصرة. وأمر بإرسال سفينتين حربيتين في الفرات لتعزيز جيشه، حتى بلغ عدد جنود الحملة زهاء عشرين ألف مقاتل نصفها من المشاة ونصفها الآخر من الخيالة.
وفي محرم سنة 1202هـ/ 1787م اصطدمت هذه القوة بالثوار في موقع يعرف بـ (أم الحنطة) بالقرب من مدينة البصرة، ودارت المعركة حامية بين الطرفين انتهت بانتصار الوالي . وقد ترك الثوار نحوا من ثلاثة آلاف قتيل في ساحة المعركة مع غنائم حربية كثيرة. وهكذا قضي على أخطر ثورة عربية قامت في وجه الحكام المماليك في العراق.
وتوجه سليمان الشاوي مع عشائره إلى البادية ومكث مدة هناك، لا يستقر في بقعة حتى مل حياة التشرد، وأظهر للوالي ندامته وطلب العفو مع الرغبة في الركون إلى السكينة. فقبل الوالي طلبه ومنعه من الإقامة في بغداد، فاختار السكنى في (قره اورمان) وهي من مقاطعاته وضياعه وأمر الوالي بأن تعاد إليه جميع أمواله وممتلكاته المصادرة، كما سمح لباقي أسرته أن يعودوا إلى بغداد .
وفي سنة 1205هـ/ 1790م لجأ عجم محمد بعد عودته إلى بغداد دخيلا لدى الأمير سليمان الشاوي الذي قبل دخالته ودافع عنه بالسيف كعادة العرب في ذلك الزمن، وترك بغداد معه وهرب عجم محمد إلى مصر حيث توفي هناك .
وهكذا عاد الحاج النبيل والعربي المؤمن إلى حياة التشرد والكفاح بعد أن لم يذق طعم الراحة والهدوء، ومن سخرية القدر أن تجعل منه المصيبة في هذه المرة قريناً لرجل هارب مثل عجم محمد، ويضعه الإباء العربي مع مدجل أفاق في ميزان واحد، ولكنه ماذا يفعل بعد أن أصبح مضطراً لأن يركب هذا المركب الخشن، وللضرورة أحكامها
ثورة الشاوي الثانية
------------------------------------
أما الأمير سليمان الشاوي فقد أعلن الثورة ثانية ضد والي بغداد، وتمكن عند خروجه مع قبيلته من بغداد من تحرير منطقة الدجيل وسامراء وتكريت، وكافة مناطق الجزيرة وسنجار من السيطرة العثمانية، واتخذت الثورة قاعدة لها في سنجار، ومنها أرسلت المجموعات المقاتلة لقتال العثمانيين في المنطقة والقبائل المتعاونة معهم.
وفي تلعفر حاولت الحامية العثمانية المتحصنة في القلعة يؤيدها ويعاضدها سكان القلعة ومنهم الماولية والصارلية أن تجهض الثورة في المنطقة. إلا أن قوات أمير طيء فارس بن الحاج محمد تمكنت من محاصرة القلعة وتحجيم دور حامية تلعفر ومصادرة أموال ومحاصيل ومزارع سكانها من الماولية. لكن قوة الحامية كانت أكبر من إمكانيات الأمير فارس بن محمد الطائي، لذا طلب النجدة من زعامة الثورة في سنجار، وسارع علي حمد الظاهر وسليمان الشاوي إلى تلبية نداء الأمير فارس، فأرسلا قوة من عرب العبيد بزعامة الأمير احمد بن محمد الظاهر، وكان مقاتلوا القوة من ألبورياش وألبوسيف، ومعهم بعض الأفراد من عشيرة الجحيش الزبيدية.
تمكنت قوات أمير طيء فارس بن محمد وقوات العبيد من محاصرة القلعة وقطع الماء عنها، والاستيلاء على ممتلكات أهالي تلعفر، ومن ثم إخراج أعداد كبيرة من الماولية والصارلية من تلعفر إلى شرق الموصل ، واستقر معظم أفراد القوة من العبيد في شرق تلعفر على مرتفع يشرف على عين ماء المدينة، عرفت فيما بعد من قبل سكان قلعة تلعفر باسم (عرب كوي) أي محلة العرب .
هزيمة تمر باشا وأمير الموالي
--------------------------------------
في سنة 1206هـ/ 1791م اتفق تمر باشا أمير الأكراد الملية مع أمير قبيلة الموالي الأمير الجحجاح بن محمد الخرفان على قتال الحاج سليمان بك الشاوي وعرب العبيد، فالتقاهم الحاج سليمان الشاوي بمن معه والتحم القتال، وقتل من الملية درويش أغا أخو تمر باشا وابن عمه بشار أغا وأسر الجحجاح أمير الموالي وتفرق عسكره وهرب، وقتل منهم جماعة وحمل الأمير الجحجاح إلى عند سليمان بك فأكرمه وخلع عليه وأركبه فرسا جيدة وتعاهد معه على قتل تمر باشا وأطلقه. فتوجه إلى عند تمر باشا وحرضه على قتال سليمان بك، فساروا جميعا للمرة الثانية وتلقاهم الحاج سليمان، فلما التقى الجمعان خانت الموالي وبعض العرب وأحس تمر باشا بالغلب فهرب بنفسه ومعه زوجته وتسعة رجال من أتباعه، وملك الحاج سليمان خيامه وأثقاله وأمواله ونساءه وبناته، واستمر تمر باشا هاربا إلى جهة ماردين، ونزل على أخيه إبراهيم أغا، وأرسل الحاج سليمان بك هدية سنية إلى والي بغداد الوزير سليمان باشا وهي عشرة من الخيل الجياد وسبعة قطرات بغال وستون جملا وخيمة تمر باشا .
مقتل الأمير سليمان بك الشاوي
------------------------------------
وبقي الأمير سليمان الشاوي في الخابور حتى قتل غيلة سنة 1209هـ/ 1794م ،على يد أحد أبناء عمومته (محمد بن يوسف الحربي) بعد شجار بينهم
وبعد مقتل الأمير سليمان الشاوي تولى باب العرب في بغداد أخواه محمد بك وعبد العزيز بك، وفي هذه الفترة ظهرت الدعوة الوهابية في نجد والحجاز، وحصلت بعض المناوشات بين الوهابيين وأهالي كربلاء والنجف، وبخاصة قتل ونهب قافلة كبيرة من الحجاج الوهابيين قرب النجف سنة 1215هـ/1800م، مما دعا الأمير عبد العزيز السعود إلى توجيه إنذار إلى والي بغداد بدفع دية عن القتلى والمنهوبات، وإلا سيكون في حل من كل ما يفعله أتباعه تجاه العراق.
وبوصول هذا الإنذار للوالي العثماني أسرع في انتداب عبد العزيز بك الشاوي وأوفده إلى الدرعية لمفاوضة الأمير عبد العزيز وحل الخلاف بطريقة ودية لما عرف عن الشاوي من دهاء وحسن حيلة وطلاقة لسان، فحاول المندوب البغدادي إقناع الأمير لكن تصلب الأخير وتمسكه بمطاليبه ومغالاته فيها جعل الاتفاق مستحيلاً.
وبعد عام علمت حكومة بغداد بوصول فرقة من الغزاة الوهابيين إلى العراق عن طريق شثاثة جنوب كربلاء، فلحقت بها الحملة العراقية وخيمت أمامها، وكانت القوة العراقية بقيادة محمد بك الشاوي يبلغ عددها ألفي مقاتل، بينما كان الوهابيـون حوالي نصف هذا العدد، فلم يقم الوهابيون بأي التحام ولم يناوشوا هذه القوة، وكانوا يبغون إغراء العراقيين بمطاردتهم في عمق الصحراء الحارة إلى مسافة طويلة فيموتوا من الحر والعطش وقلة الماء، ولكن حنكة الأمير محمد بك الشاوي أنقذت القوات من هذا المصير، وانسحب الفريقان من تلك المنطقة دون قتال.
وفي سنة 1214هـ/ 1799م أرسل سليمان باشا عبد العزيز بك الشاوي بألف فارس من العرب وسليم بك الباباني بثلاثمائة فارس، فقدموا إلى الموصل وخرج بكر أفندي كتخدا محمد باشا الجليلي بالعسكر، وساروا إلى حرب الشيخان ونهبوا خمسة عشر قرية وقتلوا خمسة وأربعين رجلا، وهرب أمير الشيخان حسن بك إلى الجبال .
وفي سنة 1217هـ/ 1802م وقعت فتنة في بغداد وحاصر الثائرون علي باشا في السراي، ثم عبر علي باشا دجلة وأقام في جانب الكرخ عند العبيد، ونهض في بغداد الأمير محمد بك الشاوي، وجمع الناس من أهل السنة وحملوا الأعلام وهجموا على القلعة وملكوها، وهرب الانكشارية ومن تابعهم من الثائرين، ونهبت الأسواق وبعض بيوت الأهالي.
لقد صنع آل الشاوي معروفاً كبيراً مع الوالي علي باشا الذي عمل على إبعاد عميدهم سليمان الشاوي عن كرسي الولاية وحل محله، فقد استنجد الوالي سليمان باشا بالمقيم البريطاني في بغداد على أثر ما شاع عن قرب تعيين سليمان بك الشاوي للباشوية، وطلب منه أن يراسل السفير البريطاني لدى البلاط العثماني للحيلولة دون ذلك عن طريق إقناعه بعدم صلاح الشاوي لمنصب الوالي. كما أن علي باشا نفسه كان قد اتصل بالمقيم البريطاني طالبا منه توسط سفيره فــي الأستانة لإقناع الباب العالي بتعيينه خلفا لأب زوجته سليمان باشــا، وقــد عمل السفير جهده لتحقيق ذلـــك. وهذا كان ديدنهم فــي كل زمــان.
قتل محمد بك وعبد العزيز بك الشاوي
------------------------------------------
في سنة 1218هـ/ 1803م تحول علي باشا نحو أهل سنجار فحاصرهم وقطع أشجارهم وأهلكهم جوعا وعطشا وهدم مغاراتهم، فطلبوا منه الأمان فشرط عليهم الطاعة فقبلوا الشرط وأمر أن لا أحد يدانيه. وعاد عنهم فلما نزل في مكان قرب تلعفر صرف الأعراب إلى منازلهم وقبض على محمد بك الشاوي وأخيه عبد العزيز بك الشاوي وأعدمهم وحبس أولادهم وحبس ابن أخيهم الحاج أحمد بك بن سليمان بك . وكان سبب ذلك أن الوالي كان يعتقد بأن لمحمد الشاوي وأخيه ضلعاً في ثورة أحمد أغا ولم يتعد هذا الظن والتخمين .
ولكن السبب الرئيسي كان نتيجة اتهامهم بتأييد الدعوة الوهابية كذريعة لقتلهما، خاصة بعد أن أصبحت لهما مكانة كبيرة في حكومة بغداد، وتبنيهما دعوة الإصلاح الديني التي لا ترتبط بالوهابية، والتي انطلقت من مدينة الموصل تدعو إلى العودة إلى السلف الصالح، والابتعاد عن المعتقدات الخاطئة عن الإسلام والتي روجها العثمانيون وقبلهم الفرس خلال فترات احتلالهم للعراق. ولاشك أن علي باشا قدر ما ينطوي عليه ذلك من خطر جسيم يهدد قلب العراق، لما كان لعبد العزيز الشاوي ولأخيه محمد من زعامة شعبية ذات مجد أدبي وسياسي وعسكري تليد، وأدى قتلهما إلى ثورة العبيد ثورة هوجاء، اشتد أوارها بتحالفهم مع عبد الرحمن الباباني .
ومن المعروف أن شنق البطلين محمد وعبد العزيز جرى في باب قلعة تلعفر، وأن جثتيهما هرب بها أولاد أحمد بن محمد الظاهر وتولوا دفنهما في مقبرة آل الجبل في تلعفر.
وقاد الأمير علي الحمد الثورة، مرة أخرى ضد العثمانيين متخذا من جبل سنجار وبادية الخابور معقلا له، يعاضده في ثورته أمراء العبيد : جاسم بك الشاوي، وضامن بن محمد الظاهر وظاهر بن حمد الظاهر، ومحمد بن احمد بن محمد الظاهر وإخوته .
وقد اهتبل تيمور باشا الفرصة للعداوة التي بينه وبين آل الشاوي، كما أراد أن يكسب عطف الوالي فقاد حملة وهجم بها على قبيلة العبيد، فدارت بين الطرفين معركة دموية كان النصر فيها حليف العبيد، وتراجع تيمور مخذولا وقد غنمت العبيد غنائم كثيرة من أتباع تيمور.
وما أن سمع علي باشا بخذلان حليفه المتطوع حتى خف لمعونته، لكن العبيد انسحبت عن الخابور وعبرت الفرات وتوغلت في بادية الشام
العبيد وشمر
------------------------------------
أدى توسع الحركة الوهابية سنة 1205هـ/ 1790م وطغيانها على أطراف الجزيرة العربية إلى إزاحة شمر عن مواقعها في جزيرة نجد إلى سهول العراق، حيث لقيت الترحيب من السلطات العثمانية لتتخذها كعون لها ضد الوهابيين، ونتيجة غارات سعود بن عبد العزيز آل سعود على أطراف العراق قتل مطلك الجربا سنة 1212هـ/ 1797م وخلفه أخوه فارس الجربا، واضطرت عشيرة شمر أن تعبر الفرات بعد مزاحمتها من قبل عشائر عنزة، وانساحت في سهول الجزيرة الفراتية حيث زاحمت العشائر القديمة المستقرة في تلك الأنحاء كطي والعبيد والبيات وقيس وغيرها.
ومما تتناقله العشائر كافة في مجالسها قصص طريفة عن كيفية مجيء شمر بالحيلة بشكل مجموعات صغيرة أولا وتكاثرها تدريجيا حتى تمكنت من العشائر القديمة. فان فارس الجربا لما رأى أن سبل العودة إلى نجد مع عشيرته قد سدت، وان موقفه أصبح مهددا بالخطر لمتابعة السعوديين الهجمات على العراق، عبر الفرات من موقع هيت في أوائل سنة 1216هـ/ 1801م مع أربعين بيتا من عشيرته الخرصة، وتقول روايات أخرى أنه أرسل ابن أخيه المدعو أبنيّة مع جماعته. وكانت السيطرة الكاملة في الجزيرة لإمارتي العبيد وطي، واستقراره فيها كان متوقفا على محاسنة هاتين العشيرتين، فلم يغفل عن هذا فأسرع إلى جوار العبيد أولا ملتجأ إلى حماية أميرها حمد الظاهر، فتلقاه هذا بالترحاب.
وكانت العادة المتبعة لدى العشائر البدوية تقضي على العشيرة القاطنة أن تقيم وليمة عامة تدعو إليها العشيرة النازلة مجددا، لتكون هذه الوليمة مقدمة للتعارف والتآلف بينهما، فأقام شيخ العبيد هذه الوليمة ودعا إليها شيوخ طي والجبور.
وحضر فارس وجماعته إلى الدعوة وكانت ثيابهم لا تدلّ على علوّ منزلتهم، وقد خيل إلى المدعوين أن هؤلاء المهاجرين هم من عشيرتي (صلبة أو هتيم) اللتين يعدهما البدو من العشائر الضعيفة التي لا أصل لها. ولما شعر فارس شيخ شمر بما بدا على وجوه رؤساء العبيد وطي والجبور من النفور، أراد أن يثبت لمضيفيه أنه هو وعشيرته من النبل والكرم بحيث يضرب بهما المثل، فقرر أن يقابل الوليمة بمثلها ودعا رؤساء العبيد وطي والجبور لتناول الطعام عنده، إلا أن هؤلاء ترددوا في قبول الدعوة اعتقادا منهم بأن هؤلاء ليسوا أهلا لإجابة دعوتهم وحضور وليمتهم، ولكنهم بعد لأي أجابوا الدعوة على مضض.
ولما حضر المدعوون إلى وليمة فارس الجربا، قدم لهم منسفا كبيرا جدا فيه ناقة مطبوخة كما هي، وفي أطراف المنسف سكاكين مربوطة بالسلاسل لقطع اللحم، فاستعظم المدعوون ما رأوه واسترابوا، فضخامة المناسف تدل عند البدو دلالة قاطعة على عظمة صاحبها، ولذلك حسبوا لهؤلاء النازلين ألف حساب خوفا على أنفسهم، لاعتقادهم أن وراء هذه المناسف عشائر كبيرة العدد وستلحقه إلى الجزيرة عاجلاً أو آجلاً.
فالرأي الصواب أن يقضي على هذه المجموعة القليلة قبل أن تزداد بما يرد إليها ويستفحل أمرها، ويقال أن شيخ الجبور قد امتنع عن الأكل، بحجة أنه صائم لكي لا يصبح بينه وبينهم زاد وملح يمنعه من محاربتهم.
وفي رواية أن الذي أشار بهذا الرأي كان شيخ العبيد أحد المدعوين للوليمة، فلم يرق ذلك إلى البقية، وقالوا أن هذا الرجل جاءنا نزيلا ولم يأت محارباً.
وتقول الروايات المتداولة التي تعد من حكايات الموروث الشعبي البدوي وأشك بواقعيتها أن أمير العبيد حزم أمره على طرد الرجل الشمري مع أتباعه لولا تحايل نساء شمر، فإن فارس عندما شعر بذلك طلب من نسائه أن يخلعن حليهن ويقدمنه إلى نساء الرؤساء الثلاثة كأمانة خوفا من نهبه عند مهاجمتهم، وأن يتوسطن عند أزواجهن للحيلولة دون الفتك بهم وهم قوم فقراء من الصلبة، فلبين الطلب ووعدنهن خيراً. فلما أقبل الليل لم تفرش نساء الزعماء الفرش وهي علامة يستدل منها الرجال على حدوث أمور خطيرة، فسئلن عن السبب، فطلبن الأمان للمهاجرين النازلين، فأعطين الأمان بعد ممانعة واجبن إلى ما أردن فمدت الفرش.
وكانت الحكومة العثمانية هي التي أوعزت إلى فارس الجربا شيخ شمر بالضغط على العبيد والجبور وطي لئلا يكونوا يدا واحدة ضد العثمانيين.
وبعد أن استقر فارس في الجزيرة شرع يوالي الرسل والرسائل إلى عشائره النازلة في أنحاء الشامية المختلفة ويدعوها إلى اللحاق به، وزيادة لها في الأغراء والتشويق كان يحشو حدج الإبل والركائب الذاهبة إليها من كلأ الجزيرة وأعشابها المتنوعة الصالحة لرعي جميع أجناس المواشي، فهرعت إليه عشائر شمر من كل حدب وصوب، ولم يطلع عام 1217هـ/ 1802م حتى كانت حوله بكاملها.
وقد ذكر مؤلف كتاب القبائل العراقية أن شيخ العبيد أنذر الرجل الشمري مع أتباعه لوجوب الهجرة ولكنهم تمنعوا، فأثارتها عشائر العبيد حربا شعواء على شمر انتهت بفوزهم بعد أن أجلوا شمر عن أراضيهم وتعقبوهم إلى حدود حلب.
وبعد هذا الحادث بأعوام نظمت شمر قواها عددا وعدة فغزت على حين غرة عشائر العبيد وأبناءها من أبناء عمومتهم، غير أن العبيد صدوا الهجوم وأعادوا الغزاة من حيث أتوا بعد أن كبدوهم خسائر فادحة. وقد لا يخفى أن مثل هذه المعارك كانت تستمر أحيانا إلى سنين طويلة.
ولما رأت العبيد استعداد شمر في هذه المرة عقدت حلفا مع شيخ مشايخ عنزة ابن مهيد لكي تحافظ على نسبتها في القوة والإيثار بالسلطة، وقد تحقق ظنها إذ رجعت جيوش شمر خائبة خاسرة، ولكنها مع ذلك لم تستطيع أن تنام وسيف الذل مسلطا على رقابها.
واستمرت المناوشات بين الطرفين، ففي سنة 1220هـ/1805م أغارت بعض فرسان العبيد على سبعين بيتا من الجربا فقتلوهم عن آخرهم واستولوا على خيامهم وأموالهم . ودام القتال الأخير بين شمر الجربا والعبيد وطي بالاتفاق مع عشيرة الصائح والبوحمدان مدة تسعين يوما، أشرك فيه والي بغداد علي باشا قوات من جيشه، وتقول الروايات أن شمر ألبست هؤلاء العثمانيين الملابس العربية لكي لا تنتقدها العشائر.
وفي سنة 1220هـ/1805م جرت آخر معركة بين العبيد والبوحمدان والصائح من جهة وبين شمر والقوات العثمانية من جهة أخرى، وعبر قسم من العبيد بزعامة علي بن حمد الظاهر ومعه قبيلة البوحمدان والصائح نهر دجلة، وكانت شمر وجيش الوالي تتعقبهم فغرق من النساء والأطفال حوالي ثلاثمائة، ومن سلم تلقفته عشائر شمر الجربا وقاتلوهم حتى سحقوهم ونهبوا خيامهم وأموالهم ومواشيهم. أما عرب العبيد فهاموا على وجوههم في القفار ومات منهم مئات جوعا وعطشاً وقتل الأمير ضامن بن محمد الظاهر وابن أخيه سليمان بن أحمد بن محمد الظاهر.
نهاية إمارة العبيد الحميرية
-----------------------------------------
على أثر هذه المعركة تشتت جموع الإمارة في عدة أماكن وأفل نجم أعظم إمارة حكمت جزيرة سنجار مدة تقارب الخمسة قرون، وانتشرت عشائر القبيلة كما يلي :
1- لجأ علي بن حمد الظاهر والقسم الأكبر من القبيلة إلى منطقة الحويجة موطن أفخاذ عدة من القبيلة منذ أمد بعيد.
2- استقر آل الشاوي في بغداد ومنطقة تكريت.
3- التجأت عشيرة البوحمد والبوسيف وآل الجبل إلى جبل سنجار.
4- التجأت عوائل عديدة من العبيد واستقرت في الموصل.
واصطدمت جموع العبيد في منطقة سنجار من البوحمد والبوسيف وآل الجبل بقيادة فندي الحمدي مع جموع شمر تعاضدهم القوات العثمانية، وحوصرت العبيد في منطقة الخان حيث أعمل فيهم الجيش العثماني وشمر القتل والذبح، وقتل أكثر من مائة نفس من العبيد، وعرفت هذه المذبحة باسم (ذبحة الحويش).
وفر أمين بن محمد بن أحمد الجبل إلى منطقة تكريت والحويجة، وتمكن مع جاسم الشاوي من تحشيد جموع العبيد مرة أخرى، واصطدما مع القوات العثمانية وشمر قرب المحلبية، قتل فيها أمين بن محمد بن أحمد الجبل، وفر جاسم الشاوي إلى منطقة عفك.
بعد هذه الحوادث استقر آل الجبل وبعض البورياش والبوسيف في منطقة (عرب كوي) شرق تلعفر، أما باقي العشائر فقد اتجهت الصائح إلى الحويجة وسكنتها، واتجهت طي إلى منطقة شمامك على الزاب، أما الجبور فقد سكنوا منطقة الخابور ثم انساحوا نحو الضفة الغربية من دجلة. وهكذا خلا الجو إلى شمر في الجزيرة، وتمت لها السيطرة على أطرافها ونواحيها، حتى آل بها الأمر إلى أن تفرض نوعاً من الضرائب يسمى (الخوّة)، تأخذها من كل عشيرة تنزل في منطقتها.
وقد استمر العداء بين شمر والعبيد خلال عصر المماليك عنيفاً، وامتد هذا النزاع إلى منتصف القرن العشرين، فكان من العوامل التي منحت باشوات بغداد فرصة ضرب شمر بالعبيد والعبيد بشمر، بدون أن يضعوا حلاً دائماً للمشكلة العشائرية، وبدون أن ينظروا في تنظيم حركات الهجرة العشائرية.
وفي سنة 1225هـ/1810م شاركت قبيلة العبيد بقيادة الشيخ علي الحمد مع عشائر طي برئاسة الشيخ فارس الحمد وعشائر شمامك وعلى رأسها ظاهر بن حسن الطائي. وكونت قوة كبيرة قوامها خمسة عشر ألف مقاتل من ضمنها قوات عبد الرحمن بابان الكردية تجمعت في كركوك، وبعد أن التحق بها البيات والغرير بدأت بالزحف على بغداد وعلى رأسها المبعوث السلطاني حالت أفندي، وفي معيته محمود باشا الجليلي وعبد الرحمن بابان وعبد الله أغا وطاهر أغا، لعزل الوالي سليمان باشا الصغير.
--------------------------------------------------------

[right]
علي الربيعي
علي الربيعي
Admin

المساهمات : 108
تاريخ التسجيل : 15/12/2011
العمر : 74

https://alialrubaie.forumarabia.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى